إلى كل من تسأل وهى حائرة عن الصداقة..
إلى كل من ترى أنها على أبواب مجتمع جديد تخشى الغربة فيه، وتبحث عن المساندة والمؤازرة..
إلى كل مسلمة.. صغيرة كانت أمْ كبيرة فلا تكاد تخلو حياة أي واحدة منا من وجود صديقة أو أكثر، أو أنها تطرق أبواب مرحلة جديدة من عمرها وتحاول بقلبها وفكرها في هذا المحيط الجديد أن تنتقي صديقة أو أكثر يتكاتفن فيما بينهن لإبعاد شبح الإحساس بالوحدة والعزلة، وينجحن في تحقيق رابطة الصحبة الصالحة وسد منفذ رفقة السوء.
= النية في طلب الصحبة:
إن ديننا الحنيف حريص كل الحرص على أن يعيش المسلم في مجتمع متآلف وأمة مترابطة تقوم على أسس سليمة قوية لتحقيق سعادة الدارين الأولى والآخرة، لذلك وجهنا رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه إلى أن أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل.
وحرص المسلمة على إتباع الهدي النبوى يعينها على بناء أسرة قوية تكون نواة لمجتمع نقى المسلمون فيه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وإعلمي أن النفس تتأثر كثيرا بتصرفات الأصحاب فلتبذلى كل الجهد في الإختيار، وإستحضري النية الصالحة وإبتغاء وجه الله الكريم في طلب الصحبة الصالحة وأن تحتسبن أن يظلكن الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وإعزمي أمرك كذلك على الحفاظ على من تختارين من الأخوات، فكما قيل: إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
= الحفاظ على الصداقة:
وعليكِ أن تدركي أنه للحفاظ على تلك الصداقة ينبغي أن توطنى نفسك على أمور، أهمها:
أولا: أن يكون جو الصداقة والصحبة دائما يملؤه ويعطره ذكر وعبادة، وتذكر للآخرة والإهتمام بطاعة الله والتناصح فهذه الأمور تسد أبواب اللغو والجدل.
ثانيا: إحرصى أن يكون الحوار بينكما في حدود الآداب والأخلاق التى حددها الشرع، وأن يكون المزاح يسيرًا في أدب وبحق حتى لا تفسد العلاقة، وإذا تكلمت إليكِ صديقتك فعليكِ أن تُقبلي عليها بالإصغاء والإهتمام وعدم قطع حديثها أو الإنشغال عنها، وألا يكون غاية همك أن تستهلكي كل الوقت لتتحدثى عن نفسك أو أن تقولي كل ما تريدين.
ثالثا: يجب أن يسود النقاش بينكما جو الألفة والحرص على النفع والإستفادة والبعد عن التجريح والتذكير بالنقائص.
رابعا: عليكِ أن تحافظي دائما على إحترام خصوصيات صديقتك فكما أنك تحبين وتحرصين على ألا يطلع أحد على أمورك الخاصة فهي تحب ذلك أيضًا، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه، وذلك أدنى أن تدوم الألفة والمودة بينكما.
خامسا: كوني حريصة على حفظ الأسرار فإن باحت لك صديقة بسر لها تبعا لثقتها بكِ فهو أمانة يجب عليك سترها وعدم إذاعته.
سادسا: مما يقوي الصداقة حرص كل منكما على إحترام المواعيد والالتزام بما يتم الإتفاق عليه حتى لا تهدر إحدكما وقت وعمل الأخرى وقد ينبت ذلك الضيق والضغينة.
سابعا: الحرص على تبادل الهدايا الرمزية البسيطة فقد قال صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا» رواه البخاري في الأدب المفرد.
واحرصي أيضًا على أن تكون الإبتسامة عنوان اللقاء فقد أخبرنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الإبتسامة صدقة تحتسب للمسلم.
ثامنا: الحفاظ على التسامح والتجاوز عن الهفوات والحرص على تجنب كثرة المعاتبة فإن ذلك يفضى إلى قطع المودة، ولا توجد صديقة بلا عيوب، وكما قالوا قديمًا: من طلب أخًا بلا عيب بقي بلا أخ.
فإن غلبت المحاسن على المساوئ فهو الغاية قال تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} [الحجر:85].
تاسعا: لتحرص كل واحدة منكما على عدم التطلع إلى ما في يد الأخرى فحب الدنيا والتنافس عليها كفيل بأن يقضى على الصداقة والمودة.
عاشرا: إياكما وإساءة الظن فمن الخطأ أن تبادري لتصديق كل ما يقال عن صديقتك أو أن تسارعي في إتهامها بالإساءة والخطأ إعتمادًا على أمر نقل إليكِ، وقبل أن تتعجلي الحكم عليها وتقرري الإعراض عنها لابد من التثبت قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...} [الحجرات:6].
وإعلمي أن الصداقة لها حاسدين فإن كانت مبنية على رضى الله وخالصة له سبحانه لن يستطيع أحد أن يخترقها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنَّ الرَّحِمَ يُقْطَعَ، وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَر، ولم نَرَ مِثْلَ تَقَارُبِ القُلُوبِ ثم قرأ: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63].
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.